كتبت كاثرين هيرست في تقرير لـ"ميدل إيست آي" أن المعتقلين السياسيين المصريين يعيشون ظروفًا اعتقالية قاسية في مجمع بدر 3 سيئ السمعة، ما يثير خوف عائلاتهم على حياتهم وسط تزايد محاولات الانتحار ووفاة عدد من المعتقلين بسبب الإهمال الطبي خلال الأشهر الأخيرة.

قمع رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي أي شكل من أشكال المعارضة منذ انقلابه في 2013، غير أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقيادات حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي وجدوا أنفسهم في مواجهة أعنف حملة قمع. ونقل "ميدل إيست آي" عن مصادر قريبة من عائلات معتقلين في بدر 3 قولهم إن بعض الأسر لم تتلق أي تواصل مع ذويها منذ أكثر من عشر سنوات، وحُرمت من الزيارات أو الاطمئنان على أحوالهم إلا من خلال أخبار متناثرة أو شهادات معتقلين خرجوا.

 

عائلات في عزلة ومعاناة نفسية

أوضح مصدر مقرّب من عائلة أحد المعتقلين أن الأبناء كبروا وأصبحوا شبابًا، بينما لم يتمكنوا من رؤية آبائهم منذ أكثر من 12 عامًا. وأضاف: "التأثير النفسي على الأسر والأطفال ضخم، بعض الأجداد لم يروا أحفادهم حتى الآن".

ويقع مجمع بدر على بعد 70 كيلومترًا شمال شرق القاهرة، وافتتح رسميًا في ديسمبر 2021 كـ"مركز إصلاح وتأهيل"، ويضم ثلاثة سجون بينها بدر 3، الذي نقلت إليه أبرز الشخصيات المعارضة بعد إغلاق مجمع طرة الشهير في منتصف 2022.

 

انتهاكات متفاقمة

أطلقت منظمات حقوقية تحذيرات متكررة من تدهور الأوضاع في بدر 3، حيث خاض المعتقلون إضرابات عن الطعام احتجاجًا على انتهاكات تشمل الحرمان من الزيارة، التعرض المستمر للأضواء البيضاء، الإهمال الطبي، والتعذيب. الوضع يبدو أكثر قسوة مع السجناء السياسيين، الذين يُحرمون بانتظام من الرعاية الطبية أو أي تواصل مع عائلاتهم، ويُحتجز كثير منهم في عزلة مطولة.

في مايو الماضي، وثقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات وفاة 13 معتقلًا منذ بداية 2025، معظمهم سياسيون بسبب الإهمال الطبي في بدر 3. كما سجلت منظمات حقوقية في يوليو محاولة 15 سجينًا الانتحار في غضون أسبوعين فقط. وذكر مصدر أن السلطات استبدلت إدارة السجن بمسؤولين أكثر تشددًا، ما زاد من عزلة الأسر وانقطاع أخبار المضربين عن الطعام، وهو ما يهدد حياتهم بشكل مباشر.

 

سياسة "التدوير" واحتجاز بلا نهاية

أكدت سامر الحُسيني، المديرة التنفيذية لمنتدى حقوق الإنسان المصري، أن النظام يبتدع ممارسات تُبقي المعتقلين رهائن سياسية، إذ يُعاد فتح قضايا جديدة ضدهم فور انتهاء فترات سجنهم، فلا يغادرون الزنازين إلا بمساومات. وأشارت إلى أن بقاء المعارضين خلف القضبان قرار سياسي يهدف لإقصاء أي صوت مختلف عن نظام السيسي.

مصادر أخرى أوضحت لـ"ميدل إيست آي" أن السلطة تستهدف عائلات المعتقلين أيضًا بالاعتقال والملاحقة القضائية، ومنع السفر، وإدراج أسمائهم على لوائح الإرهاب.

 

عائلات قيادات الإخوان في مرمى الاستهداف

يعكس وضع أنس البلتاجي، نجل محمد البلتاجي، هذه السياسة، إذ يقبع في السجن منذ نحو 11 عامًا فقط لأنه ابن شخصية معارضة بارزة. أما عائشة الشاطر، ابنة القيادي خيرت الشاطر، فتلقت حكمًا بالسجن 15 عامًا إلى جانب زوجها المحامي محمد أبو هريرة في مارس الماضي، بعد محاكمات وُصفت بأنها تعسفية.

منظمة العفو الدولية نبهت مرارًا إلى أن السلطات أبقت عائشة في عزلة مطولة وحالت دون حصولها على العلاج، بينما تعرض زوجها للتعذيب داخل بدر 3. وحذرت المنظمة من تدهور صحتهما الجسدية والنفسية بصورة خطيرة.

 

أرقام تكشف حجم الأزمة

لا تعلن السلطات المصرية إحصاءات رسمية عن عدد السجناء السياسيين. لكن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قدّرت في مارس 2021 أن العدد الإجمالي للسجناء يبلغ 120 ألفًا، بينهم 65 ألفًا معتقلون سياسيون، منهم 26 ألفًا على الأقل رهن الحبس الاحتياطي.

وثّقت منظمات عدة وفاة شخصيات معارضة، منهم الرئيس الأسبق محمد مرسي، بسبب الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. هذه الشواهد تبرز أن القمع لم يقتصر على حرمان الأحياء من أبسط حقوقهم، بل تجاوز ليحرم عائلاتهم من أبسط الروابط الإنسانية، في سياسة ممنهجة تجعل الزيارة حلماً بعيد المنال، وتحوّل السجون إلى مقابر صامتة خلف الأسوار.

 

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-political-prisoner-families-live-terror-amid-spiralling-detention-abuses